كيف فهم الدكتور مهاتير محمد الأسلام والأسلمة؟ 2

تقديم: وجدي أنور مردان

((ولدت مسلما ونشأت كطفل مسلم، وتعلمت من مرحلة مبكرة أداء الصلاة والصيام ، وعلمتني أمي وأحد المدَرسين تلاوة القرآن الكريم ، على الرغم من ذلك فإني لم أحط علما إلا بالنزر اليسير من تفسير آياته.

إيماني قوي وعقيدتي ليست محل تشكيك ، الاسلام ديني ولايمكنني تصوًر نفسي سوى أنني مسلم ولايمكنني مجرد تخيل ارتداد اي مسلم عن دينه، ربما لايكون مسلما يمارس شعائر دينه ، لكن التزامه بالاسلام لا يتزعزع بكل تأكيد.

كان منزلي محاطا بمنازل ومحلات عاش فيها اشخاص من ديانات أخرى وعملوا فيها، ففي قبالة منزلي كان يوجد محل صيني فيه مذبح مقابل للمدخل، ووضعت أمام صورة لأله أوعية ملآى بالرمال غرست فيها عيدان البخور، وكنت أرى بين الحين والآخر النساء المسنات وفي ايديهن عيدان البخور ويصلين لذلك الاله.

عندما كنا فقراء إبان الاحتلال الياباني ، كان هناك تاميليون هنود يعيشون أسفل منزلنا ، ولم يكن  لديهم مذابح ولا أصنام منحوتة ، لكني عرفت أنهم يصلون للأصنام المنصوبة في معابدهم.

وفي المدرسة ، كان فيها عدا زملائي في الصف صبي أوراسي (أحد أبويه أوروبي) كاثوليكي الديانة وعندما التحقت بالجامعة لدراسة الطب ، كان زملائي على مقاعد الدراسة من ديانات مختلفة بطبيعة الحال.

إن معرفتي بكل هؤلاء المنتمين الى أديان أخرى ، وملازمتي لهم لم تضعف إيماني ، لكني لم اتباحث معهم في الدين أبدا، عرفت بالبداهة أننا سندخل في نقاشات قد تؤثر في علاقتي بهم.

كان الاسلام ولايزال في نظري دينا متسامحا مع وجود الأديان الأخرى وأتباعها. وحين قرأت لاحقا تراجم معاني القرآن الكريم باللغتين الملاوية  و الانكليزية ، وجدت سورة كاملة، وهي سورة " الكافرون" تثبت أنني لم أكن مخطئا في افتراضي المتعلق بموقف الاسلام من الأديان الاخرى، جاء في تلك السورة:

" قُلْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ ﴿1﴾ لَآ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴿2﴾ وَلَآ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴿3﴾ وَلَآ أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴿4﴾ وَلَآ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴿5﴾ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ ﴿6﴾.

وجاء في آية قرآنية أخرى " لا إكراه في الدين" البقرة 256.

ربما لانطبق في ماليزيا ما تنص عليه الشريعة في كل حالة، وإنما نطبق قوانين أخرىن لكننا نتبع تعاليم الاسلام بدفاعنا عن توفير العدالة للجميع في هذا البلد المتعدد الآديان، وإبقائنا الأمة بعيدة عن الصراع وإنعدام الامن.

وبالمثل ، بتسامحنا مع الاديان الآخرى نكون ملتزمين بتعاليم الاسلام أيضا. وفي الواقع، تمسكت الحكومة بالمبادئ الاسلامية في جميع أعمالها.

لذلك، لدينا كل الحق في وصف ماليزيا بأنها دولة إسلامية، والاسلام وأسلمة الآدارة الماليزية لم يكونا محل نزاع من قبل. والحقيقة هي أنه في الفترة التي تبنت فيها ماليزيا القيم الاسلامية وأعلنت أنها دولة إسلامية ، ساد السلام والاستقرار وتطورت البلاد ونمت على نحو لم يسبق له مثيل.

لسوء الحظن هناك عدد من المسلمين "المثقفين" الذين لايعجبهم التسامح الذي دعا إليه القرآن الكريم. إنهم يحبون أن يروا الاسلام دينا صارما وقاسيا وعنيفا تجاه الاديان الاخرى وفي الواقع، ذكر لي مفتٍ عالم ذات مرة أنه لايوجد دين سوى الاسلام، فشعرت بارتباك شديد، صحيح أن الدين عند الله الاسلام، لكن وردت في القرآن الكريم إشارات كثيرة الى ديني موسى وعيسى (عليهما السلام). وفي الواقع، ورد في سورة "الكافرون" التي ذكرناها آنفا إشارة الى الاديان التي لاتقبل بـ "الدين" الذي هو الاسلام.

درست تاريخ الاديان واكتشفت أن تفاسير التعاليم الدينية تتغير لامحالة بمرور الوقت . نحن نعرف أن المسيحيين انقسموا الى ثلاث طوائف رئيسة هي الكنيسة الشرقية الآرثوذكسية والكنيسة الرومانية الكاثولوكية والكنيسة البروتستانية في مرحلة لاحقة، لكن الانقسام لم يقف عند هذا الحد، اذ شكل الاساقفة والمطارنة المتنوعون طوائف خاصة بهم بناء على أفهامهم وتعاليمهم الخاصة. ولن اذكر المزيد عن الطوائف المسيحية لأن معرفتي بها ليست وافية.

حصل الامر نفسه في الاسلام، دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) الى الاسلام واحد تعبر عنه آيات القرآن الكريم والاحاديث النبوية الصحيحة المروية عن النبي الكريم.

لكن يوجد اليوم طوائف إسلامية كثيرة يزعم كل منها أن الطوائف الاخرى ليست إسلامية أو لاتدين بالاسلام. وفي الواقع ،  أنه غالبا ما أندلعت حروب بين هذه الطوائف بسبب الاختلافات في تعاليمها.

ربما يُعزى ظهور هذه الطوائف في بعض الاحيان الى مشعوذين يريدون استغلال سذاجة بعض أتباع هذا الدين وجهلهم. وقد حقق بعض هؤلاء الانتهازيين نجاحا أوصل أتباعهم الى حد زعم انهم أنبياء أو حتى الامام المهدي المنتظر الذي يعتقد أنه سيظهر مع اقتراب العالم من يوم القيامة، لكن إثبات كذب هؤلاء الاشخاص دائما لم يردع أخرين عن التفوه بمزاعم مشابهة من حين الى أخر، ولم يمنع من استقطابهم أتباعا آمنوا بهم إيمانا عميقا. ومن قبيل الصدفة أنه لايزال يظهر حتى في أوساط المسيحيين مدعون من أمثال هؤلاء ويعرف عن أتباعهم ارتكاب عمليات انتحار جماعية في اليوم الذي يعتقدون أن نهاية العالم ستكون فيه.

لكن عددا من مؤسسي المذاهب الاسلامية أئمة عظماء، اعتقدوا بصدق أنهم يقدمون التفسيرات الصائبة أو الصحيحة للاسلام ، وبالنظر الى الاختلافات الكبيرة بين تفسيراتهم وتعاليمهم، محال أن يكونوا جميعا على صواب.

على أن الاختلافات في التفسيرات والتعاليم أمر ينبغي توقعه لأن هؤلاء العلماء بشر في النهاية ، ويقعون في الزلات التي يقع فيها البشر، فإن أفهامهم وتفسيراتهم متأثرة بنقاط ضعفهم تلك.

ربما لم يقصدوا إحداث الصراعات بين الناس وتقسيمهم الى طوائف، وهم يناشدون اتباعهم غالبا عدم التعصب لتعاليمهم. لكن الاتباع غالبا ما  يكونون أشد تصلبا من معلميهم وربما لايعتبرون التعاليم الأخرى اسلامية.

وبمرور الوقت، نتج من تعصب الاتباع وميلهم الى المبالغة وإضافة أمور الى التعاليم استحالة التوفيق بين وجهات النظر المختلفة للطوائف المتنوعة. وكل من يحاول التخفيف من الجمود في معتقداته، أو يسعى الى التوافق مع تعاليم الآخرين ( أو حتى الامثال لنهي الاسلام عن النزاع) يعتبر خائنا مارقا إن لم يكن مرتداَ.

 

 

لذلك نرى المسلمين اليوم منقسمين الى عدد لايحصى من الطوائف ولكل منها تفسيراتها الخاصة للاسلام. كما يوجد داخل كل من الطوائف طوائف فرعية وأتباع لأئمة مختلفين. إن التمسك هؤلاء الاتباع بطوائفهم قوي جداً ولايقبل المساومة ، والتضحية بالنفس خصلة قوية وكذلك قتالهم في سبيل معتقداتهم، والاعتقاد هو أن المضحي سيكافأ في الحياة الاخرة على تضحيته.

السنة أكثر عدداً من الشيعة لكنهم أقل تعصبا في تطبيقهم الاسلام ، ومع ذلك، العداء للشيعة قوي جداً، والهجمات العنيفة التي يشنها الشيعة على السنة يقابلها السنة لامحالة بعنف مماثل.

الاسلام دين متسامح، لكن وكما قلت، بعض المفسرين المطلعين على تعاليم الاسلام لايروق لهم ذلك. يريد هؤلاء وأتباعهم جعل الدين عديم التسامح وجامداً وصارماً. وهذا مايصح خصوصا في الموقف من غير المسلمين. إنهم متحمسون لفرض الشعائر والقوانين الاسلامية على غير المسلمين بالقوة إذا أمكن، وهذا لايحبب الاسلام اليهم، ولذلك يزداد رفضهم للاسلام بشدة، وهي صفات مناقضة لتعاليم الاسلام ، شوهت سمعة الاسلام وحالت دون انتشاره.

كان المسلمون الاوائل أكثر تساهلا ولينا مع غير المسلمين، وهذا سبب انتعاش المسيحية واليهودية في الدول الاسلامية. وفي الواقع ، بلغ تسامح المسلمين مع اليهود حداً جعلهم يفرون الى الدول لاسلامية الواقعة في شمال افريفيا والى المناطق الخاضعة للحكم العثماني في أوروبا الشرقية متى اضطهدهم المسيحيون الأوروبيون.

وبالمقابل، حين استعاد الاسبان المسيحيون السيطرة على اسبانيا، منح اليهود وكذلك المسلمون ،خيار التحول الى المسيحية أو القتل أو الطرد من اسبانية الكاثولوكية. ولهذا السبب لحق عدد كبير من اليهود بالمسلمين الذين أجلوا الى شمال أفريقيا.

تجدر الاشارة الى أنه لايزال يعيش في ايران عدد من اليهود، مع كونها دولة اسلامية متطرفة في الظاهر، وكنسهم تحميها الحكومة ، حتى إن اليهود ممثلون في البرلمان الايراني. والظاهر أن الايرانيين، على شدة عداوتهم للاسرائيليين والامريكيين، يطبقون ما أوصى به القرآن الكريم بشأن التعامل مع أبناء الديانات الاخرى.

لكن اليهود غير مرحب بهم في المناطق الاخرى في العالم الاسلامي بما في ذلك ماليزيا. وعندما حاولت دفع عملية السلام في فلسطين بالسماح لتلامذة مدارس وفريق كريكت إسرائيلي بزيارة ماليزيا ، أدانني الملاويون المسلمون بشدة.

على أن انعدام التسامح لايقتصر على التعامل مع غير المسلمين، فنحن ننتقد إخوتنا المسلمين في أدائهم  واجباتهم وشعائرهم الدينية. ومع أن القرآن الكريم يقول إنه ليس في الدين من حرج، هناك عدد من المسلمين الذين يريدون جعله عبئاً، انهم يرفضون مرونة التعاليم القرآنية المتصلة بالصغائر من المحرمات وأداء شعائر معينة.

أَمرنا بأداء خمس صلوات في اليوم، لكن لو ترك بعض متعلمي الشريعة وشأنهم، سيزيدون على الصلوات الخمس صلوات وقراءات أخرى. ومع أن اغلبية هذه النوافل تطوعية ، إلا أنهم يرغبون في جعلها الزامية.

وبوصفي سياسيا في أمنو( تحالف الاحزاب الماليزية)، توجب عليً الرد على الاستشهادات الدينية التي يستدل بها بعض المتحدثون باسم الحزب الاسلامي الماليزي " باس". إنهم مؤثرون للغاية باستدلالهم بآيات من القرآن الكريم وترجمتها على الفور وصبغها بعواطف ملاوية جياشة.

حفظت بعض الآيات التي يكثر تردداها وترجمات معانيها بالملاوية، لكني لم ابلغ في ذلك حد الاتقان، فأنا لا أتقن اللغة العربية بالقدر الكافي حتى حين أتلوا الآيات التي استدل بها بشكل صحيح.

بدأت بدراسة القرآن الكريم بمزيد من الشمولية ، بقراءة النص العربي ثم قراءة الترجمات الملاوية أو الانكليزية ، ووجدت أن التفاسير التي يوردها السياسيون غير دقيقة تماما، وإن كانت أكثر تأثيرا، بل إنهم غالبا لايكملون تلاوة الآيات التي يستدلون بها.

وفي سياق ذلك ازداد شغفي بتلاوة القرآن لأن معرفتي بالترجمات الملاوية والانكليزية جعلت دراستي أكثر تشويقاً. وفي وقت وجيز، صرت أختم القرآن كاملا عدة مرات لأعرف التعاليم الاساسية فعلا للدين الحنيف. وحتى ذلك الحين، كل ما كنت أعرفه عن ديني لم يتجاوز ما علمني إياه أساتذتي الخصوصيون وأساتذتي في المدرسة. ركزوا على فقرات معينة وعلى سور التي تعين عليَ حفظها عن ظهر قلب لأتلوها في صلواتي.

كانت قراءة القرآن بلغة فهمتها مؤثرة فعلا ولم يتأخر اساتذة مادة الدين في الاشارة الى انهم عندما يدرسونني يقومون بترجمة النصوص العربية الى الملاوية لأتمكن من فهم تلك النصوص. وبحسب حججهم، ترجماتهم ليست قرآناَ وليست الوحي الذي انزله الله تعالى.

علمت لاحقا أنه حتى الذين يتكلمون العربية بوصفها لغتهم الأم لايمكنهم أن يفهموا فعلا عددا من سور القرآن الكريم. وهم لايزالون في حاجة الىكتب التفسير، وما يفهمونه من القرآن هو ما فهمه المفسرون، والمفسرون الذين هم من جملة البشر قد يحملون هم ايضا الآيات على غير محملها أو يفهمونها بشكل مغاير لفهم الآخرين، لذلك ربما لاتكون تأويلاتهم متشابهة ، بل قد تكون متناقضة.

أفترضت أن سبب انقسام المسلمين الى مذاهب مختلفة اختلاف أفهام المفسرين واختلاف تأويلاتهم بناء على ذلك.

لكنا في حاجة الى مفسرين كي نفهم تعاليم القرآن، وتتأكد هذه الحاجة بالنسبة الى غير الناطقين باللغة العربية أو غير الملمين باللغة العربية بالقدر الكافي، لذلك قنعت بترجمات معاني القرآن الكريم الى اللغتين الملاوية والانكليزية والتي وإن كانت لاتعتبر قرآناَ فهي تبقى مقبولة مثل الاسلام الذي تعلمته باللغة الملاوية.

لكن آيات القرآن الكريم تنقسم الى فئتين متمايزتين تماما، الأولى هي فئة المحكمات، وهي آيات واضحة المعاني وليس فيها غموض ولاتختلف بشأنها الأفهام ولا التفاسير.

والفئة الثانية تضم الآيات المتشابهات، وهي آيات معانيها ليست واضحة ولا مباشرة وربما تتضمن استعارات أو دلالات رمزية ما يجعلها قابلة لتفسيرات متنوعة بل متناقضة أحياناَ.

يمكن فهم الآيات المحكمات الواضحات بسهولة بالغة حتى لو لم يكم المرء يتكلم العربية بشرط وجود شخص يترجم معاني الآيات، إنها سهلة ومباشرة ويمكن الجميع تقريبا ترجمة معانيها من غير أن تظهر أختلافات ملحوظة في التفاسير. ومثال ذلك جاء في القرآن الكريم ( إنما المؤمنون إخوة) الحجرات 10, والواضح أنه لايمكن إساءة فهم هذه الاية أو تفسيرها بمعنى آخر ، وجاء في القرآن الكريم أيضــا ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأَ) النساء 92. والمعنى هنا واضح تماما.

لكننا نرى مسلمين يقاتلون مسلمين آخرين ويقتلونهم، اليس هؤلاء آثمين؟ لابد من أنهم كذلك. لكنهم يصرحون بأن خصومهم غير مسلمين حقيقة ولذلك فهم يرون أنهم لايقتلون مسلمين وأنهم لايفعلون شيئا منهيا عنه في الاسلام.

هناك آيات واضحة تأمر المسلمين بالوفاء بالوعود والعهود، والصدق، وعدم أخذ الرشوة ، وطلب العلم، والاستعداد للدفاع عن الامة ( المجتمع الاسلامي العالمي)، وكفالة اليتامى، وتوزيع التركة وفقا للقواعد الشرعية ،والقبول بعروض السلم ،والحكم بالعدل ، وعدم السماح للكراهية بأن تؤثر في القرارات، وعدم إكراه الناس على اعتناق الاسلام، وغيرها كثير من الايات التي تحدد طريقة الحياة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم وتجعله شريفا مستقيما. وينبغي أن ينجح في مساعيه في هذه الحياة، على ألا ينسى الآخرة حين يحاسب على الافعال التي قام بها في الحياة ثم يجازى عليها إن خيرا فخير وإن شراَ فشر.

 

يتبع في حلقة ثالثة

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,626,957

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"