مصطفى كامل
سبق لي أن نشرت في صفحتي الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) موضوعاً فضحت فيه جانباً من نفاق شامل عبدالقادر، الصحفي السابق في بعض وسائل الاعلام العراقية أيام العهد الوطني، وتحوله من مدّاح لرموز العهد الوطني في العراق قبل الاحتلال، إلى منافق يشتم هذا ويسبُّ ذاك من رموز ذلك العهد الذي حظي فيه العراق بقدر متميز من الاحترام، ودارت فيه عجلة البناء والنهوض في شتى الميادين، وإن بدرت أخطاء، نرفضها، هنا أو هناك، وهو أمرٌ لازم في الطبيعة البشرية.
وجاء في منشوري الموجود هنا النص التالي:
"رافقت شامل عبدالقادر في غرفة واحدة في القسم السياسي بمجلة الف باء في الطابق الخامس من وزاره الاعلام العراقية.
لم يكن معارضاً بل كان حزبياً في منطقته، وككاتب كان يسير ضمن الجهاز الإعلامي في العهد الوطني.
تحول بعد الاحتلال ضمن من تحولوا وأصبح ناعقا بكل الحقد العنصري والطائفي الذي كان يحمله.
للأسف يتساقط الناس في المسيرة، وشامل أحد من سقطوا.
هذا أحد منشوراته في الف باء في التسعينات، علماً إنه لم يكن مجبراً على كتابة شيء كهذا".
وتعقيباً على ذلك المنشور، الذي فضح نفاق هذا الشخص، بلغة راقية مهذبة، كتب "شامل" مقالاً بذيئاً مليئاً بالأكاذيب الحقيرة، سأنشره في أسفل هذا الموضوع، كما نشر عدداً من المنشورات التي تعبر عن نفس مأزومة مليئة بالعقد الشخصية والأمراض الخبيثة، وزاد فأرسل لي رسالة تهديد بذيئة، لم أردَّ عليها بالطبع.
لكن الطريف المضحك حقاً في كل ما تقيأه "شامل" ضدي أنه اتهمني بالتملق والوصولية والتلون، وهي أوصاف لا تليق إلا به ولا تنطبق إلا عليه، فما إن جاء الغزاة ومن سار مختبئاً في بساطيلهم، حتى تحوّل من مادحٍ للعهد الوطني متملق له إلى مادحٍ لأعدائه شاتماً لرموزه ناسجاً لقصص خيالية ليس لها من جذور إلا في نفسه المريضة اللئيمة، فيما بقينا، أنا وآخرون كُثر بحمد الله تعالى، ثابتين على جمر المبادئ، صامدين بوجه المغريات، لم تستخفّنا المطامع على مرِّ العهود.
وبالتأكيد لن أعضَّ كلباً عقوراً، فهذا ليس من شيم الرجال، لكنني سأوضّح بعض الأكاذيب التي جاءت في مقاله الحافل بكل ما لا يليق بصحفي وكاتب أن يتفوَّه به.
لأنني نشأت في أسرة صحفية، عميدها الرائد الصحفي الكبير قاسم حمودي، وهو شقيق والدي، ولوجود اهتمام مبكر في هذا المجال، فقد بدأت أول خطواتي في عالم الصحافة بينما كان أقراني يلهون بعيداً عن هذه الاهتمامات.
عمل والدي "كامل" في الصحافة، عقوداً، ولكنه لم يكن بارزاً في المهنة، وقد عمل في صحيفتي "الحرية" و "الرياضي" وصحف أخرى، وساهم في تأسيس مجلة "آفاق عربية" مع الراحل الكبير شفيق الكمالي، ثم تقاعد من العمل الصحفي في نهاية السبعينات، بعد أن عمل معاوناً لمدير عام دائرة الثقافة والنشر الكردية.
كانت بدايتي في مهنة الصحافة وأنا طالب في الصف الثالث المتوسط، قبل 35 عاماً، كنت حينها مقيماً في دولة الامارات العربية المتحدة، دفعني لهذا الأمر وتولى تقديمي لصحيفة "الخليج" التي كانت واحدة من أهم الصحف العربية ويعمل ويكتب فيها حشد من كبار الصحفيين من أقطار عربية شتى، أقول دفعني لهذا الأمر الصحفي الكبير الأستاذ جمعة اللامي، حين لمس رغبتي بذلك، وتلمّس بحسّه المهني بوادر نبوغي الصحفي، بعد أن عرَّفني به الفنان المبدع الأستاذ محمد فهمي الذي كان مصمماً في جريدة "الخليج"، وكان الأستاذ المرحوم محمد الرديني أول من عملت بمعيّته في قسم التحقيقات بالصحيفة، وبدأت النشر منذ ذلك الوقت، وفي الصف الخامس الثانوي حزت على أول هوية صحفية لي، ومن يومها وأنا أتنسم عبير بلاط صاحبة الجلالة، ثم انتميت إلى نقابة الصحفيين العراقيين في أول فرصة لذلك، ويمكن العودة إلى سجلات النقابة للتأكد من ذلك.
وإذا كان ابنا عمي، المرحومين جعفر وسعد، قد فتحا لي باباً هنا أو هناك، وهذا حق طبيعي جداً، فليس ثمة ما يعيب في هذا، ولا علاقة له بتقدمي في المواقع الصحفية التي عملت بها، إذ لو لم أكن أتحلى بموهبة وقدرة لما تقدمت في عالم الصحافة بمجرد الدعم منهما.
يعرف جميع الزملاء في مهنة الصحافة أن صحيفة "الحرية" التي أسسها الرائد الصحفي قاسم حمودي في الخمسينات، بعد رحلة طويلة في العمل الصحفي بترؤسه هيئة تحرير صحف حزب الاستقلال المتعاقبة منذ الثلاثينات، كانت مدرسة مهنية مرموقة خرّجت أجيالاً من الصحفيين البارزين، وكانت في طليعة الصحافة القومية التي تصدَّت لشعوبية عبدالكريم قاسم ودموية الحزب الشيوعي أثناء المد الأحمر الذي صبغ العراق دماً طهوراً، وقيحاً مسموماً ما تزال الساحة السياسية العراقية تعاني منه حتى اليوم.
ومع أن جميع من عمل في مهنة الصحافة في العراق، على الأقل، حتى من انتمى منهم إلى تيارات سياسية أخرى غير الخط القومي الذي كانت مدرسة صحيفة "الحرية" طليعته ورائدته بامتياز، يشعر بتقدير عالٍ لهذه المدرسة المهنية التي انتمى لها ونشر فيها كبار الكتاب والشعراء ومنهم، على سبيل المثال، شاعر العراق الكبير المرحوم بدر شاكر السياب، ولشخوصها البارزين، إلا أن "شامل" يرى فيها صحيفة يمينية رجعية حاربت الوطنيين، وهو إدعاء سخيف لا يستحق رداً!
لكن الأمانة تقتضي أن أشير هنا إلى اسمٍ واحدٍ، لكذابٍ منافقٍ متلونٍ هو الآخر، مثل تلميذه "شامل"، ذلك هو "حسن العلوي"، المنافق الكذاب المعروف، فهو الوحيد الذي كان له موقف سلبي من "الحرية" ولاحقاً من "الجمهورية"، تعبيراً عن عقدٍ شخصية لئيمة وأحقاد نفسٍ مريضة بالوصولية والتسلق، وهو وليس غيره، من ساهم في التحريض على صحيفة "الحرية" وساهم في إغلاقها بوشاية خبيثة في نهاية ستينات القرن الماضي، فإذا عرفنا أن "شاملاً" تتلمذ على يد "حسن" تبت يداه، كما يقول، كان لنا أن نتصوّر حقد (الأستاذ) وصفاقة (التلميذ) وكذبهما معاً على هذه الأسرة الرمز!
ثم كانت "الجمهورية" المدرسة المهنية الكبرى التي ترأس تحريرها ابن عمي، المرحوم سعد قاسم حمودي، والتي كانت ميداناً رحباً لإبداعات أسماء صحفية كبرى من بينهم جمعة اللامي ومحمد عارف وسعود الناصري وضياء حسن ولطفي الخياط وسجاد الغازي وسلام مسافر وجياد تركي ونصير النهر ضياء حسن وهادي الانصاري وابتسام عبدالله ورافد حداد وداوود الفرحان وحاتم حسن ورياض قاسم وسامي الزبيدي وندى شوكت وماجد السامرائي ونرمين المفتي وعبد المطلب محمود وليث الحمداني ونازك الاعرجي وسلوى زكو وعبدالجليل موسى وابراهيم اسماعيل وشاكر اسماعيل وهادي عبدالله وحسن العاني وعلي حيدر وهادي الساعاتي وسلام خياط ومحسن حسين وميسون ابو الحب وزيد الحلي وزهير أحمد القيسي ومريم السناطي ووداد الجوراني وأحمد عبدالمجيد وعشرات اللامعين غيرهم.
في هذه المدرسة المهنية البهية عملت ونشأت وبرزت وتدرَّجت في المواقع المهنية حتى تمَّت تسميتي كسكرتير تحرير في "الجمهورية" قبل 23 عاماً، وفي هذه العائلة التي لا تُذكر إلا مقرونة بأسمى آيات الفخار والرفعة والشرف الشخصي والوطني والالتزام بقضايا الأمة، نشأت وتربيت سياسياً ووطنياً.
في مطلع التسعينات حصلتُ، بجهد شخصي بحت يشهد الله تعالى عليه، على فرصة لأكون مراسلاً لصحيفة الرأي الأردنية (وليس الدستور كما زعم "شامل")، كما حصلتُ، خلال عقد التسعينات، على فرص أخرى لمراسلة نحو 10 صحف ومجلات عربية مختلفة من بغداد. وعملت مستشاراً صحفياً في بعثتين دبلوماسيتين، عربية وأوروبية، وبقيت لست سنوات في موقع المستشارية الصحفية، كما عملت، طيلة أربعة سنوات، مراسلاً لصحيفة "النهار" اللبنانية وهي واحدة من أرقى الصحف العربية وأكثرها رصانة وحرفية ودقة.
وإنني أتساءل مع من يتساءل، كيف يمكن لصحفي مغمور لا يتحلى بكفاءة ولا يملك موهبة، كما زعم "شامل" أن يتولى سكرتارية تحرير صحيفة مثل "الجمهورية، وأن يعمل مراسلاً لصحفٍ ومجلات عربية ودولية، وأن يعمل مستشاراً صحفياً في بعثات دبلوماسية؟!
وفي قباعه الخنزيري روى "شامل" قصّتان، الأولى عن انتقالي للعمل في مجلة ألف باء ثم خروجي منها، والثانية عن (سرقتي) لموضوع كتبه هو.. وسأفصِّل في القصتين.
بعد هروب سعد البزاز من العراق، وكان يرأس تحرير "الجمهورية" بقيت الصحيفة شاغرة بلا رأس، وحين فشلت جهود الدولة في إعادة "البزاز" إلى الوطن، تمت، في شهر تشرين الأول 1992، تسمية أمير الحلو، وهو متلون منافق آخر، ليتولى رئاسة تحرير الصحيفة بشكل مؤقت، لحين تسمية رئيس تحرير أصيل.
بعد أشهر من ذلك تم تعيين السيد صلاح المختار في المنصب، وباشر الرجل عمله وهو لا يعرف صحيفة "الجمهورية" إذ لم يعمل محرراً فيها ولا في غيرها بل كان كاتباً فقط.
ولأن المختار لم يكن صحفياً مهنياً في حقيقة الأمر بل كان كاتباً سياسياً معروفاً ومسؤولاً إعلامياً إدارياً، فلم يكن على معرفة تفصيلية بطبيعة العمل في المؤسسات الصحفية ذات الصدور اليومي، ونتيجة لذلك فقد أصدر أمراً إدارياً بأن يقوم المحررون الصحفيون بالتوقيع في سجل الحضور والانصراف، وهو أمر غير مسبوق في المهنة الصحفية، فثارت ثائرة كثيرين، ومنهم كاتب هذا السطور الذي كان يعمل محرراً في قسم المقابلات والحوارات الصحفية. ثم أصدر السيد المختار، لعدم معرفته بالعاملين وكفاءاتهم، أمراً إدارياً بتعيين مجموعة من الإمّعات والمنافقين وناقصي الجاه في موقع مدراء تحرير، من بينهم مازن صاحب وصباح اللامي (اتضح نفاقهما بعد الاحتلال)، وقد رفض كثيرٌ من المحررين هذا القرار أيضاً.
وبعد فشل جهودي وجهود آخرين في إقناع "المختار" بإلغاء القرارين المذكورين، قدَّمت استقالة من الجريدة، ولم أكن موظفاً فيها بل محرراً متعاقداً، وهي صيغة كانت تتيح للصحفيين حرية التنقل بين المؤسسات الإعلامية، وغادرت الجريدة، ولأنني لا أمتهن غير مهنة البحث عن المتاعب فقد توسّط لي الأخ الصديق أحمد صبري، وليس المرحوم سعد قاسم حمودي، للعمل في مجلة ألف باء، وحيث كان أمير الحلو قد عرف إمكانياتي جيداً خلال تواجده المؤقت في "الجمهورية" فقد وافق على ذلك فوراً ونسّبني للعمل في القسم السياسي. وهنا تتضح أول فريات "شامل" فلم يتوسط لي المرحوم سعد قاسم حمودي، ولم تكن للأستاذ كامل الشرقي علاقة بتعييني في "ألف باء" وبالتالي لا علاقة له بـ (طردي) منها كما يزعم.
كان القسم السياسي برئاسة الزميل الدكتور رافع الفلاحي، وهو حيّ يرزق، وكان يضمُّ محررين اثنين، هما شامل عبد القادر وجواد كاظم، الذي اختفت أخباره عني، والتحقت بهما ثالثاً، وهنا تظهر فرية "شامل" الثانية إذ قال إنه كان يرأس القسم السياسي، ولم يكن كذلك.
لم أقدّم نفسي باعتباري أجيد لغة أجنبية أو مترجماً، لأنني لست كذلك فعلاً، وهذا أمر معروف، فلو كنت قدّمت نفسي كذلك لالتحقت للعمل في قسم الترجمة، الذي كانت ترأسه السيدة منى سعيد، أو لكلَّفني القسم السياسي بترجمة تقارير عن اللغة الأجنبية التي أجيدها، وهذا ما لم يحدث على الإطلاق، وهنا تنفضح فرية "شامل" الثالثة التي إدّعى فيها أنني ترجمت تقريراً عن روسيا، واتضح أنني (سرقته) من مكان ما، وطردت من المجلة على إثرها فوراً.
بقيت أعمل في القسم السياسي قرابة سنة، وليس 48 ساعة كما افترى "شامل"، وأنجزت خلال هذه المدة العديد من الموضوعات الصحفية والحوارات، ولأنني كنت معتاداً على العمل في صحيفة يومية، فلم أنسجم كثيراً في العمل بمجلة أسبوعية، تختلف متطلبات النشر فيها كثيراً عن العمل في الصحف اليومية، لكنني بقيت مواظباً على العمل.
ولأن السيد صلاح المختار عرف إمكانياتي المهنية وعرف حقيقة موقفي، فقد قدّم لي، مشكوراً، عرضاً مُغرياً للعودة إلى "الجمهورية" وتضمَّن العرض ما يأتي:
-
زيادة راتبي
-
صرف رواتب كل الأشهر التي تركت العمل فيها وغادرت إلى "ألف باء".
-
أن تتم ترقيتي إلى سكرتير تحرير في الجريدة.